التلف الكيميائي
يعد كلُّ ما كتب أو طبع على ورق في أواسط القرن التاسع عشر(1850م-1981م) نموذجًا لما يسمى بالتلف الذاتي أو التدهور التلقائي للورق، وذلك بمعدلات قد تؤدي في القريب العاجل إلى فساده نهائيًّا هناك حقيقة يجب أن نعترف بوجودها؛ وهى أن الورق الأكثر قدما أي ما قبل أواسط القرن التاسع عشر الميلادي أفضل حالًّا، ولا يحدث له تلك الظاهرة، وعلى هذا سنحاول أن نناقش تلك الظاهرة وأسبابها وكيفية التعامل معها. يرجع السبب الرئيسي لحدوث تلك الظاهرة إلى طرق صناعة هذه الأوراق؛ فلقد أدت الثورة الصناعية أثناء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والتطور العلمي المذهل الذي حدث خلال هذين القرنين في مجالات عديدة كالطب والهندسة والكيمياء ومجمل العلوم إلى ازدياد الطلب بشكل هائل على الورق لكتابة هذا التطور، وتسجيل كلِّ ما يحدث خلال هذه الفترة. (1) وإزاء هذا الطلب المتزايد على ورق الكتابة وتسجيل المعلومات دفع ذلك إلى اتجاهين أولهما الطباعة الميكانيكية وثانيهما صناعة الورق ميكانيكيًّا(2)
التركيب الكيميائي للورق
الورق هو مادة عضوية تتكون من السليلوز الآتي من النبات، وهو عبارة عن جزيئات من الجلوكوز يرتبط بعضها ببعض مكونة سلاسل طويلة، تمتد هذه السلاسل من حوالي 3.000 إلى 5.000 جُزِيء من الجلوكوز يرتبط بعضها ببعض لتكون طبقاتٍ متماسكةً بأنواع مختلفة من الروابط الكيميائية، وكلما زاد طول تلك السلاسل كلما كانت تلك الورقة أفضل حالًّا وأشد تماسكًا والعكس صحيح.
أدت الثورة الصناعية إلى زيادة رهيبة في الاتصالات وإلى الاحتياج إلى أنواع جديدة ورخيصة من الورق مثل المنشورات والجرائد والموسوعات إلى آخره. وبناءً على ذلك ساعدت الطاقة البخارية الآتية من حرق الفحم الثورة الميكانيكية بشكل جيد على طباعة الورق لتلبية تلك الاحتياجات الجديدة. هذه الزيادة في الطلب على الورق أدت إلى زيادة أكبر في الطلب على المواد الأولية أو الخامات التي تصلح لصناعة الورق. ونستطيع أن نقول إنه على مر القرون السابقة كانت المواد الأولية في تصنيع الورق هي مادة السليلوز الآتية أصلًا من الكَتان وخرق الأقطان البالية، أو الناتجة من مصانع الأقمشة. وعلى مر العصور كان تجار الملابس الباليه أو المتهرئة يقومون بتجميع تلك الخرق كمواد أولية في صناعة الورق، ولكنهم لم يستطيعوا تلبية الاحتياجات الهائلة لتلك المواد ألأولية. وعلى ذلك نتجت مشكلة هائلة لنقص تلك الخرق، وأيضًا لنقص مخلفات مصانع النسيج؛ لأن الميكنة الحديثة لهذه المصانع قللت بشكل كبير من تلك المخلفات دفعت تلك المشكلة بالأبحاث للحصول على مادة السليلوز من مصادر أخرى ومواد أولية أخرى. وعلى هذا فقد استطاع العام ألألماني F.G keller أن يحصل على براءة اختراع لتصنيع الورق من لب الخشب، وذلك في عام 1840م.
كانت ثورة حقيقية في المواد الأولية لصناعة الورق لَبَّتْ بشكلٍ كبيرٍ الاحتياجات المطلوبة، لكن الذي لم يكن معروفا وقتها أن ألياف لب الخشب أقل طولًا وأضعف عمومًا من الألياف ألآتية من خرق الأقمشة والكتان، أضف إلى ذلك إضافة مجموعة من المواد الكيميائية توضع أثناء التصنيع، ثم يتبقى منها الكثير بعد التصنيع؛ ومن ثم تتفاعل تلك المواد ليتولد منها أحماض مختلفة تؤدي إلى ما يعرف بشيخوخة الأوراق. حيث تعمل تلك الأحماض على الفتك بألياف السليلوز القصيرة والضعيفة أيضًا فتصبح عُرضة لتدهور سريع وتلف غير عادي. وما تزال طباعة الصحف تسير على هذا النحو حتى الآن لرخص ثمن أوراق الجرائد. كان هذا الاختراع لتصنيع الورق من لب الخشب هو الخطوة الأولى لصناعة ورق قصير العمر.
تبع ذلك مشكلة أخرى، وهي أن هذا الورق احتاج إلى ما يسمى كيميائيًّا (ثقل الورق)، وهو نوع من المواد الكيميائية تضاف إلى الورق لمساعدة الحبر على عدم الانتشار أو التغلغل في الورقة. هذه المواد المستخدمة في الثقل هي ما يسمى بالشبة (ألومنيوم سيلفات) وهو رخيص الثمن وسهل الاستعمال، لكن الأثر السيء له لم يكن معلومًا في تلك الفترة؛ حيث إن تفاعل تلك المادة مع بخار الماء في الجو يؤدي إلى وجود نوع ضار جدًّا من الأحماض يؤدى بدوره إلى إحداث هذا التلف الذاتي وهذا التدهور التلقائي. إذن فالسؤال هنا ما الحلول الممكنة لإيقاف هذا التلف الذاتي؟
إن إصلاح هذا التلف الذاتي والتدهور التلقائي للورق ليس له طريقة معلومة للعلاج؛ لأن حدوث هذا التدهور يكون على مستوى نواة الخلية النباتية في السليلوز (9)، فكل ما نستطيع عمله هو إبطاء وتثبيط هذا التدهور؛ لأن حدوث التلف التلقائي أمر حتمي بالتأكيد. من الممكن أن نقلل أو نثبط وبشكل كبير التأثير الضار لتلك الأحامض؛ عن طريق معادلتها بمواد قلوية محسوبة التركيز للتخلص بشكل مؤقت من تلك الأحماض؛ بل تعمل على حماية الورق وجعله صالحًا لفترات قد تمتد من 50 إلى 100 عام، بالإضافة إلى حفظ هذه الأوراق في أماكن جيدة الحفظ. وفي بعض الحالات شديدة التدهور يمكن إعادة الطباعة مرة أخرى، ويعتمد ذلك بشكل أساسي على قياس درجة حموضة الأوراق بواسطة جهاز قارئ الحموضة، يتم عن طريقه معرفة ما إذا كانت حالة الورق قابلة للمعالجة أم أنه في طريقه للتلف التام؛ وبذلك يتم التفكير في أساليب ترميم أخرى مثل الترميم الحراري، لكن الترميم الحراري له مضاره المتلفة للورق؛ كونه يعتمد على درجات حرارة عالية وملامسة للورق فتؤدي إلى تلف الورق نهائيًّا وعدم قابلية استعادته مرة أخرى، إلى أن ظهرت بعض الطرق الحديثة للحفظ كأسلوب التغليف غير الحراري وتبعه استخدامات لبعض المواد الكيميائية بإضافة الشيفون الطبيعي مع الميثيل سليسلوز او الكلوسيل ج في حالات الأحبار التي تتأثر بالماء؛ كون الكلوسيل يمكن تحضيره بواسطة الكحول الإيثيلي.